{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16)}قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أمر الله تعالى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول للمشركين: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ثم أمره أن يقول لهم: هو الله إلزاما للحجة إن لم يقولوا ذلك، وجهلوا من هو. {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ} هذا يدل على اعترافهم بأن الله هو الخالق وإلا لم يكن للاحتجاج بقوله: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ} معنى، دليله قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر: 38] أي فإذا اعترفتم فلم تعبدون غيره؟! وذلك الغير لا ينفع ولا يضر، وهو إلزام صحيح. ثم ضرب لهم مثلا فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ} فكذلك لا يستوي المؤمن الذي يبصر الحق، والمشرك الذي لا يبصر الحق.وقيل: الأعمى مثل لما عبدوه من دون الله، والبصير مثل الله تعالى: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ} أي الشرك والإيمان. وقرأ ابن محيصن وأبو بكر والأعمش وحمزة والكسائي {يسوي} بالياء لتقدم الفعل، ولأن تأنيث {الظُّلُماتُ} ليس بحقيقي. الباقون بالتاء، واختاره أبو عبيد، قال: لأنه لم يحل بين المؤنث والفعل حائل. و{الظُّلُماتُ وَالنُّورُ} مثل الإيمان والكفر، ونحن لا نقف على كيفية ذلك. {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} هذا من تمام الاحتجاج، أي خلق غير الله مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم، فلا يدرون خلق الله من خلق آلهتهم. {قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي قل لهم يا محمد: {اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، فلزم لذلك أن يعبده كل شي. والآية رد على المشركين والقدرية الذين زعموا أنهم خلقوا كما خلق الله. {وَهُوَ الْواحِدُ} قبل كل شيء. {الْقَهَّارُ} الغالب لكل شي، الذي يغلب في مراده كل مريد. قال القشيري أبو نصر: ولا يبعد أن تكون الآية واردة فيمن لا يعترف بالصانع، أي سلهم عن خالق السماوات والأرض، فإنه يسهل تقرير الحجة فيه عليهم، ويقرب الأمر من الضرورة، فإن عجز الجماد وعجز كل مخلوق عن خلق السماوات والأرض معلوم، وإذا تقرر هذا وبان أن الصانع هو الله فكيف يجوز اعتداد الشريك له؟! وبين في أثناء الكلام أنه لو كان للعالم صانعان لاشتبه الخلق، ولم يتميز فعل هذا عن فعل ذلك، فبم يعلم أن الفعل من اثنين؟!.